"اختراق حزبي" للجنة حماية المعطيات الشخصية.. هل تهدد التعيينات الجديدة نزاهة الانتخابات المقبلة؟

 "اختراق حزبي" للجنة حماية المعطيات الشخصية.. هل تهدد التعيينات الجديدة نزاهة الانتخابات المقبلة؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 25 يناير 2025 - 14:20

شهدت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، التي أُنشئت بموجب القانون رقم 09.08 لحماية حقوق الأفراد تجاه معالجة البيانات، تغييرات جوهرية على مستوى تشكيلتها بعدما حمل التغيير تعيين أعضاء جدد في إطار المادة 32 من القانون ذاته، حيث لم تمر دون أن تثير تساؤلات واسعة حول مدى استقلالية اللجنة، خصوصًا مع دخول شخصيات ذات انتماءات سياسية بارزة من الأغلبية الحكومية، مما يضع مستقبل حياد هذه الهيئة تحت المجهر سيما وأنها تتزامن والاستعدادات المتواترة للانتخابات التشريعية المقبلة.

وأعلن بلاغ اللجنة الوطنية، الصادر أمس الجمعة، عن التغييرات التي شملت ستة أعضاء جدد تم تعيينهم باقتراح من رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، إذ اقترح رئيس الحكومة، عبد العزيز العمراوي ومجيد لحلو، فيما رشح رئيس مجلس المستشارين كلًا من لحسن ماضي ومحمد بودن،  أما رئيس مجلس النواب فقد اختار زكرياء أولاد وفاطمة السعدي، اللذين ينتميان إلى حزبين من أصل ثلاثة يكونان الأغلبية الحكومية، وهما التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة.

وزكرياء أولاد، من مواليد 1983 في منطقة أنزا بنواحي أكادير، بدأ مساره الدراسي في ثانوية يوسف بن تاشفين قبل أن ينتقل إلى فرنسا لدراسة الإلكترونيات، إلا أن أولاد سرعان ما غيّر تخصصه بعد سنة واحدة، ليخوض مجال الإعلاميات، متابعًا دراسته في بروكسيل، وفي عام 2008، أسس أول مقاولاته في مجال الإعلاميات، حيث عمل بها لعامين قبل أن ينتقل إلى أستراليا وسنغافورة، حيث قضى عشر سنوات في قطاعات النفط والغاز والتنقيب.

وعند عودته إلى المغرب، أطلق مشروعات صناعية في أكادير، شملت مجال موارد البحر ومكتبًا للدراسات، فيما انضمامه إلى حزب التجمع الوطني للأحرار جاء في سياق توجهه نحو السياسة ودخول غمار الانتخابات، حيث ترشح في الانتخابات الجماعية ضمن اللائحة التي كان على رأسها رئيس الحزب ورئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش.

على الجانب الآخر، تأتي فاطمة السعدي، التي تنحدر من مدينة الحسيمة، كأحد أبرز الوجوه السياسية في حزب الأصالة والمعاصرة، وتمتد مسيرتها الحزبية إلى ولايتين في المكتب السياسي، حيث شغلت منصب نائبة الأمين العام للحزب خلال فترة عبد اللطيف وهبي (2020-2024)، وقادت المجلس الجماعي للحسيمة من 2015 إلى 2021، حيث تمكنت من تحقيق حضور برلماني في نفس الفترة، وفي أكتوبر الماضي، تم انتخابها عضوة في المكتب السياسي للحزب خلفًا لصلاح الدين أبو الغالي الذي انشق عن الحزب بعد جدل كبير.

وينص الفصل 24 من دستور فاتح يوليوز 2011 على أنه "لكل شخص الحق حماية حياته الخاصة"، و"لا تنتهك حرمة المنزل ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون"، ثم نص على أنه “لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”.

ويؤطر المرسوم رقم 2.09.165 الصادر في 25 جمادى الأولى 1430 (21 ماي 2009)، قواعد عمل اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، كما يحدد شروط وطرق تعيين أعضائها وإدارتها، كذا سلطات اللجنة الخاصة بالتقصي والمراقبة وغيرها من تفاصيل قيام اللجنة بمهامها.

اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، التي يرأسها عمر السغروشني الذي عينه الملك محمد السادس، في 17 نونبر 2018، قبل أن يجديد له هذا التكليف أمس الجمعة، تكونت بموجب القانون من أعضاء يعينهم أيضا الملك باقتراح عضوان من طرف رئيس الحكومة، وعضوان من طرف رئيس مجلس النواب وعضوان من طرف رئيس مجلس المستشارين، وهذا أمر يصب في القانون المؤسس بيد أن وجود شخصين متحزبين في عضويتها يثير نقاشًا حول حساسية التوقيت وطبيعة المناصب، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية.

واللافت عند العودة إلى المهام الموكولة لهذه اللجنة، أنها تضطلع بدور محوري في حماية البيانات الشخصية وضمان عدم استغلالها من قبل الجهات المختلفة، سواء الحكومية أو الحزبية، فيما ومع اقتراب الانتخابات، يصبح الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة، مثل تلك التي تحتوي على تفاصيل المواطنين، مغريًا للأحزاب السياسية لتوجيه الحملات الانتخابية بشكل موجه ومؤثر، لهذا، فإن تعيين شخصين ينتميان للأغلبية الحكومية في لجنة تمتلك صلاحيات واسعة في مراقبة المعطيات يثير مخاوف من إمكانية استغلال هذه المعطيات لخدمة أجندات حزبية.

واللجنة، مسؤولة أيضا بموجب القانون المنظم عن استقبال شكاوى المواطنين بشأن أي خروقات متعلقة بمعطياتهم الشخصية، وفي سياق انتخابي، قد تظهر شكاوى مرتبطة باستعمال بيانات الناخبين بشكل غير قانوني، وبالتالي فإن وجود أعضاء متحزبين قد يُفقد اللجنة مصداقيتها لدى المواطنين، خاصة إذا كانت الشكاوى تتعلق بأحزاب الأغلبية، كما أن الشفافية في إدارة المعطيات الشخصية، مثل لوائح الناخبين أو الحملات الإعلانية الموجهة، تعد شرطًا أساسيًا لنزاهة الانتخابات، أي إشارات لاستغلال اللجنة لتحقيق مكاسب سياسية قد تؤدي إلى اهتزاز ثقة المواطنين في نزاهة العملية الانتخابية.

هذا، وتملك اللجنة صلاحيات واسعة للتحري عن خروقات معالجة البيانات وفرض العقوبات، فيما وفي فترة الانتخابات، قد يكون لهذه الصلاحيات تأثير مباشر على المسار الانتخابي إذا تم استخدامها بطريقة منحازة، كما أن الفصل 24 من الدستور المغربي يضمن حماية الحياة الخاصة وسرية الاتصالات، واللجنة، بصفتها جهة مراقبة، ملزمة بالسهر على احترام هذا الفصل. ومع ذلك، قد يتعارض ذلك مع انتماءات أعضائها الحزبية إذا ما تعارضت مصالح حماية البيانات مع المصالح الانتخابية لأحزابهم.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، تكون فترة ما قبل التصويت أي الحملات بما فيها السابقة لأوانها حاسمة في توجيه الرأي العام وإطلاق الحملات الانتخابية، لهذا، فإن الوصول إلى معطيات دقيقة حول التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للناخبين، أو استهداف فئات محددة بناءً على بياناتهم، يمكن أن يمنح الأحزاب المتنافسة أفضلية غير عادلة، ووجود شخصيات حزبية داخل اللجنة في هذا الظرف الحساس قد يعزز المخاوف بشأن استغلال موقعهم في تحقيق مكاسب انتخابية أو التأثير على المنافسة.

من جهة ثانية، تظهر الحاجة الملحة لضمان استقلالية اللجنة عن أي تأثيرات حزبية أو حكومية، خاصة في فترة انتخابية، فعلى الرغم من أن التعيينات تمت وفق المساطر القانونية، فإن انتماءات الأعضاء السياسية قد تُفسر على أنها تقويض لمبدأ الحياد، ما قد ينعكس سلبًا على ثقة المواطنين في المؤسسات المعنية بحماية حقوقهم.

ووفق القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، المنظم لعمل هذه اللجنة، تحدد مدة العضوية في اللجنة الوطنية في خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويشترط أن يكون بين الأعضاء شخصيات مؤهلة لكفاءتها في الميادين القانونية من جهة والقضائية من جهة أخرى، وشخصيات متوفرة كذلك على خبرة واسعة في ميدان الإعلاميات بالإضافة إلى شخصيات بارزة لمعرفتها بقضايا تهم الحريات الفردية، فيما تتلخص مهام اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في خمس مهام أساسية، وهي “الإخبار والتحسيس” و”الاستشارة والاقتراح” و”الحماية”، ثم “المراقبة والتحري” و”اليقظة القانونية والتكنولوجية”:

مهمة “الإخبار والتحسيس” موجهة إلى “الأفراد والهيئات العمومية والمؤسسات الخاصة”، وأنها تسهر في هذا الإطار على “إطلاع الأفراد على الحقوق التي يمنحهم إياها الإطار القانوني في ما يتعلق بمعالجة  المعطيات ذات الطابع الشخصي بالمغرب”، وإرشاد وتوجيه الأفراد لحمايتهم من كل استعمال متعسف لمعطياته ذات الطابع الشخصي”، إضافة إلى “تحسيس الهيئات العمومية والخاصة بالالتزامات التي يفرضها القانون وبأفضل السبل والوسائل في مجال معالجة المعطيات”، و”إرشاد وتوجيه المسؤولين عن المعالجة للانخراط في عملية ملاءمة تفضي إلى الانسجام مع مقتضيات القانون 08-09 ونصوصه التطبيقية”، ناهيك عن “توضيح القواعد والآليات التي تؤطر نقل  المعطيات ذات الطابع الشخصي إلى الخارج “.

مهمة “الاستشارة والاقتراح”، تقوم اللجنة الوطنية بتقديم المشورة للحكومة والبرلمان والإدارة عموما فيما يتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”، ولهذه الغاية فإنها “تدلي برأيها حول مشاريع ومقترحات القوانين ومشاريع النصوص التنظيمية ذات الصلة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي”، و”تساعد الحكومة في تحضير وتحديد الموقف المغربي أثناء المفاوضات الدولية في مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”، ثم “تقدم للحكومة كل مقترح يخص حماية المعطيات الإسمية”.

كما تعد اللجنة الوطنية الهيئة المغربية الرسمية التي أنيط بها مراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، هذه الصفة تسمح لها بالعمل على إضفاء المزيد من الشفافية في مجال استعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي من طرف المؤسسات العمومية والخاصة، وكذا ضمان التوازن بين الحياة الخاصة للأفراد وحاجة المؤسسات إلى استعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي في أنشطتها.

وتقوم اللجنة الوطنية في إطار مهامها المتعلقة بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، بـ”معالجة الشكايات الواردة من الأفراد”، و”البث في التصاريح وطلبات الإذن الواردة من مسؤولي المعالجة”، و”مسك السجل الوطني”.

وأطلقت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، في يناير 2023، “السجل الوطني لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”، ووضعته رهن إشارة العموم كما تنص على ذلك المادة 50 من القانون رقم 08-09، كما تناط باللجنة مهام “التحري والمراقبة”، حيث “تتوفر اللجنة الوطنية على سلطة التحري والبحث التي تمكنها من مراقبة عمليات معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي للتأكد من توافقها مع مقتضيات القانون 08-09 ونصوصه التطبيقية”.

بحيث يمكن لأعوان اللجنة المفوضين الولوج لكل العناصر الخاصة بالمعالجة (المعطيات، التجهيزات، البنايات، دعائم حفظ المعلومات…)”، وتقضي “عمليات المراقبة إلى إصدار عقوبات إدارية أو مالية أو جنائية"، وتقوم اللجنة بمهام “اليقظة القانونية والتكنولوجية”، حيث تقوم بـ”مراقبة ودراسة وتحليل التوجهات والتحولات التكنولوجية والاقتصادية والقانونية والمجتمعية التي يمكن أن تؤثر على مجال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بالمغرب”.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...